Review of Ein Shams in Al Hayat!

Below is the article published in Al Hayat newspaper on August 17, 2007. You can also read the article on Al Hayat's website. English translation coming soon!

هيم البطوط يستمر في تجاربه المستقلة ... «عين شمس» وأهلها الطيبون بعد رحلة «ايثاكي» التي لا تنتهي
القاهرة – شيماء سليم الحياة - 17/08/07//


خلال تصوير «عين شمس»
وسط ركام «الانتفاضة السينمائية» التجارية التي تشهدها مصر بتحقيق ما لا يقل عن ثلاثين فيلماً سنوياً، تتقاذف علينا من كل ناحية، هناك أفلام لا يلهث صناعها وراء تحقيق ثروة أو حتى وراء دخل بسيط، يلهثون فقط وراء تحقيقها ويحاولون أن يخرجوها من عنق الزجاجة، من حجرات الأصدقاء الضيقة التي تعرض فيها الى دور العرض السينمائية الواسعة أو حتى الضيقة، الى الجمهور العريض...

ومن هذه الأسماء إبراهيم البطوط وهو منذ زمن شاهد عيان على الحروب والأزمات والأحداث الساخنة في العالم. البطوط الذي تعد عودته حياً من 12 حرباً معجزة في حد ذاتها، والمختلط بكل فئات البشر... يرفض الاستسلام لشروط الانتاج العقيمة، يتحدى السوق والمنتجين والموزعين والنجوم ويحقق أفلامه بأدوات بسيطة: عقله وذراعيه وروحه المرحة وحرفيته السينمائية.

سيارة تعبر جسراً، تتابعها الكاميرا من نقطة البداية حتى تنتهي من العبور، تراقبها الكاميرا الفضولية لتعرف ما إذا كانت تستطيع أن تنجز هذا العبور أم لا. أحياناً تتمكن السيارة وقائدها من تحقيق هذا العبور.

هكذا جاء المشهد الأول والأخير في «إيثاكي». ذات لحظة تتوقف السيارة بأمر الشرطة فتأخذ جانباً من الطريق وهي تواجه إنذار الإشارة الأصفر، وهكذا يأتي المشهد الأخير من «عين شمس». «إيثاكي» ومن بعده «عين شمس» فيلمان روائيان طويلان للمخرج إبراهيم البطوط، المتعمد تصوير أول وآخر مشهد في أفلامه على الجسر والسبب أن «(الجسر) هو مكان للعبور بين منطقتين. وهذا ما أتمناه أن يحدث: عبور من منطقة الى أخرى، أتمنى دائماً أن يحدث تحول حقيقي». يصعب الحديث أمام الجمهور العريض عن هذين الفيلمين. والسبب أنهما من الأفلام المستقلة، والمصورة بطريقة «الديجيتال»، أبطالهما ليسوا نجوماً. ومن هنا هما من جملة أفلام لم يتحقق لها فرصة العرض السينمائي إلا بعد أن يتم نقلها على شرائط سينمائية. مع هذا على رغم محدودية فرص عرض «إيثاكي»، فإن «عين شمس» يحمل بارقة أمل في أن ينال حقه من العرض العام. ولعل هذه هي مرحلة العبور في حياة إبراهيم البطوط السينمائية. فأفلامه تعبر الطريق من منطقة «الديجيتال» والعروض المحدودة الى منطقة السينما والعروض العامة. ولنعبر الجسر الآن وصولاً الى منطقة أكثر اتساعاً، لنذهب الى «عين شمس».

13 آب (أغسطس) 1988 كان المشهد الأول لإبراهيم البطوط في عين شمس، ذهب البطوط – الذي كان يعمل وقتها مصور تقارير إخبارية في إحدى المحطات التلفزيونية – ليصور تظاهرات وقعت في هذه المنطقة، المشهد وقع كالآتي: وقف إبراهيم لتصوير التظاهرات من شباك سقف سيارة، راح يلتقط حركة الجماهير المضطربة وجحافل قوات الأمن المركزي. ولأن اهتزازات محرك السيارة كانت تتسبب في اهتزاز الكاميرا أمر إبراهيم السائق أن يطفئ المحرك، ومع تفاقم الموقف وازدياد سخونة حركة المتظاهرين عاود إبراهيم الأمر الى السيارة بأن ينطلق ولكن المحرك يرفض أن يدور. يترك إبراهيم السيارة ويسير على قدميه مع مساعده، ووسط الاضطراب والصخب والحركة التي لا تتوقف من الجماهير والشرطة المصرية، يفاجأ بالمتظاهرين يهرعون من أحد الاتجاهات فيجري عكسهم حتى يعرف مما يهربون. يفاجأ مرة أخرى بضابط يقف فوق مدرعة ويصوب بندقيته تجاه المتظاهرين مطلقاً عليهم نيرانها. يتوقف إبراهيم لتصوير هذا الضابط، فيصوب الضابط بندقيته نحوه ويُطلق عليه النيران، يصاب في كتفه ويصاب مساعده في ظهره، يهربان من الطلقات النارية محاولين الاختباء في أي مكان الى أن تلتقطهما يد طيبة لرجل من أهالي عين شمس. يأخذهما الى شقته البسيطة ويحاول تهدئتهما ويطلب من زوجته أن تصنع لهما عصير ليمون. الزوجة تخبر زوجها أنه لا يوجد لديهم سكر لصناعة العصير فيطلب منها أن تسأل الجيران. وبالفعل تفعل ذلك ويخرج إبراهيم متأثراً من الموقف الشهم للرجل البسيط الذي ائتمنه إبراهيم على الاحتفاظ بمعدّات التصوير الخاصة به والتي تساوي ضعف ثمن العمارة التي يقطن فيها. في الشارع يخرج إبراهيم المجروح جسدياً، المنفعل نفسياً مما رآه عند أهالي عين شمس فيجد امرأة تناديه وتأخذه الى بيتها هي الأخرى كي تضمد جراحه. فهي ممرضة لم تستطع أن تتغافل عن رؤية دماء إبراهيم. يخرج إبراهيم من بيتها ويسير في حواري عين شمس حتى يصل الى الطريق العام. انتهى المشهد الأول.

1 أيار (مايو) 2006، تسعة عشر عاماً مضت على اللقاء الأول بين إبراهيم البطوط وعين شمس التي لم تخرج من عقله أو نفسه بل تسببت في تكوين مساره المهني منذ كان فيها في ذلك اليوم من عام 1988، إذ قرر أن يسافر لتغطية الحروب في العالم. يعود إبراهيم الآن الى عين شمس، مخرج أفلام روائية، يعود ليصور فيلمه «عين شمس» عن أسرة بسيطة تتعرض لأزمة صعبة. والأصعب أن هذه الأسرة لا تتحمل مثل هذا النوع من الأزمات. يحاول إبراهيم من خلال فيلمه أن ينقل روح عين شمس، وطبيعة أهلها الطيبين من دون محاولة التظاهر بتصوير الشوارع والحواري وصفائح القمامة. الناس هم الأولى بالظهور وهم الأولى بالاهتمام وهم الأولى بالتوعية. في «عين شمس» (الفيلم) تطالعنا شخصيات متعددة مختلفة الأشكال والطبائع والثقافات، تتوحد في خطوط واحدة نجدها واضحة مع نهاية الفيلم. هناك ألم ومرض يتسربان الى بلدنا الذي لا يختلف كثيراً عن العراق أكثر الدول جرحاً وألماً. فيلم إبراهيم البطوط لا يقارن بين البلدين بقدر ما يفرض عليه الأمر الواقع أن يجدهما في المأزق والظروف ذاتها. القوات الأميركية في العراق توازيها القوات الأمنية في مصر التي تحاول قمع التظاهرات. اليورانيوم الذي تسبب في انتشار السرطان في أجساد العراقيين توازيه المواد الكيماوية التي تستخدم لحقن المواد الغذائية في مصر والتي تتسبب أيضاً في انتشار السرطان في أجساد المصريين. والهجرة الى بلاد الشمال ربما تكون الأفضل، والسبب ليس «الجهل والقهر والفقر والتخلف ولكن لأن الجو – الطقس – هناك بارد والجو هنا حار»... والذين لم تتح لهم الفرصة للهجرة الى بلاد الشمال عليهم أن ينتبهوا الى إشارة الإنذار في آخر لقطة من فيلم «عين شمس». لنذهب الآن الى مكان أكثر اتساعاً من «عين شمس»، لنذهب الى العراق الذي له قصة أخرى عند البطوط.

اثنتا عشرة حرباً في ثمانية عشر عاماً، تقريباً. كل الحروب التي وقعت في هذه الفترة، ذهب إبراهيم البطوط لتصوير وقائعها. لكن بعد ثلاث حروب في العراق وحدها، قرر إبراهيم العودة والتوقف ووجد ضالته في تحقيق أفلام روائية بدلاً من الأفلام التسجيلية التي عكف على صناعتها طوال تلك الفترة. والسبب يؤكده إبراهيم قائلاً: «إن لغة الفيلم التسجيلي ليست هي الأنسب للوصول الى الجمهور العريض، فالناس «تعبت» و «ملت» ويشعرون بأن ما لديهم من مشاكل وأزمات، أهم مما يحدث في الخارج. لذا قررت أن أحقق أفلاماً روائية حتى تكون لدي حرية أن أضع فيها جزءاً من أفكاري، فلا تأتي موضوعاتي بما هو مفروض علي بل بما أريد تقديمه، والذي أصبح يتمثل في عدم عرض الحقيقة بهذه القتامة، بل اجعلها تحمل بارقة أمل تمنح المتفرج فرصة التفكير والقدرة على الاستمرار أو التغيير».

ولكن ليس هذا فقط ما دفع البطوط الى التوقف عن تصوير الحروب والرجوع الى بلده لتقديم أفلام روائية. القصة كانت بالتفصيل كما يرويها المخرج كالآتي: «الفترة التي قضيتها في تحقيق أفلام تسجيلية في مناطق الحروب تلك، جعلتني أعيش فترات طويلة في هذه المناطق، ما أحدث تأثيراً نفسياً في داخلي وصل الى ذروته في حرب العراق الأخيرة، لأنني وجدت أنني قمت بتغطية ثلاث حروب في العراق وحده. في البداية حققت فيلماً تسجيلياً عام 2003 عن المقابر الجماعية في العراق. والحكاية أن الجيش العراقي طلب من الجماهير القيام بتظاهرة لمساندة صدام حسين، ونقل المتظاهرون في سيارات كبيرة الى الصحراء. وفيما كانوا في طريقهم الى هناك وصل بلدوزر قام بحفر مقبرة واسعة في الصحراء ثم اختفى المتظاهرون. الفيلم كان يبحث عن هؤلاء الناس، الذين وجدوا بعد ذلك داخل المقبرة مدفونين واستُخرجت جثثهم بواسطة بلدوزر أيضاً، ثم محاولة التعرف عليهم وإعادتهم الى مدنهم في سيارات نقل مرة أخرى، وكان مشهد مسيرة الناس وراء هذه السيارات وهم في حال من الصراخ والنواح شيئاً يصعب وصفه أو التعبير عنه بكلمات».

هذا الفيلم تم ترشيحه لجائزة مهمة في لندن مخصصة لمصوري الحروب والأحداث الساخنة في العالم وتعرف باسم «روري بيت» على اسم المصور الإنكليزي الذي قتل أثناء قيامه بتصوير إحدى الحروب. ذهب إبراهيم الى لندن لاستلام الجائزة وهناك شاهد الأفلام التي تبارت معه فكانت لحظة التحول الحقيقية في مساره المهني، ويقول عنها: «وجدت أن الأفلام كلها حول مناطق ذهبت اليها من قبل: العراق – أفغانستان – أفريقيا – فلسطين والإهداء الذي عرض في النهاية لأسماء الذين قتلوا أثناء العمل على تصوير هذه الأفلام أو أفلام أخرى تكوّن من 150 اسماً، منهم خمسة كانوا أصدقائي – كنت أعلم بالطبع انهم قتلوا ولكنها كانت المرة الأولى التي أرى فيها أسماءهم بهذه الطريقة. قررت أن أتوقف وعلمت أن آلة الحرب الوحشية تملك من الشر ما يجعلها تستمر لقرون، وجدت أنها آلة لا تتأثر بأي شيء، في حين كنت أتصور انني وأمثالي من المصورين نخرج من منازلنا واحتمال عودتنا ضئيل جداً، تنهال علينا طلقات الرصاص ونهرب منها بأعجوبة. من أجل أن تساهم المواد التي نصورها في ردع هذه الآلة، عرفت أن أفكاري تلك كانت رومانسية وساذجة وأدركت انني كنت أجوب هذه الحروب لمقابلة أشكال مختلفة من البشر من الصعب العثور عليها إذا كنت عشت حياة عادية، فقررت ألا أذهب الى الحروب من جديد. انتهى العراق. وكانت بعده رحلة العودة ليس فقط الى مصر ولكن الى إيثاكي...».