رؤية مغايرة لجحيم مصري . .
رؤية مغايرة لجحيم مصرى
بقلم : جوزيف فهيم
نشرت فى : 1/ فبراير / 2008
بعد يوم من التجربة الجياشة لفيلم (التعويض) (atonement) والتى بدأت تخبو مؤخراً، وقعت فى شرك تجربة سينمائية أخرى رائعة ومؤثرة وليست أقل أهمية من مرشح الاوسكار الجارى .
الاسبوع الماضى تلقيت مكالمة هاتفية من ابراهيم البطوط لحضور عمله الثانى الذى طال انتظاره (عين شمس). البطوط هو الذى أثار عمله الطويل الامل (إتاكى) ضجة فى الاوساط المستقله لصناعة الافلام منذ 3 سنوات.
فى غرفة المؤتمرات الضيقة لشركة انتاج الافلام المستقلة.
(Film Home Egypt) البيت الفيلم المصرى ، جلست مع خمسة صحفيين آخرين لمشاهدة الفيلم الذى تبين أنه واحد من أجمل الافلام المصرية فى هذا العقد.
يبدأ الفيلم وكاميرا البطوط مثبته على سيارة أجرة (تاكسى) تهيم فى شوارع القاهرة بلا هدف ، مع تلاشى ضوء النهار – الذى يفسح المجال لعتمة العاصمة المقبضة تثب مغنية اسمها مريم فى التاكسى ترى صورة فتاة صغيرة مثبتة بحرص بجانب السائق، تخبره أن الفتاة جميلة ، يرد السائق بابتسامة شجية ويخبرها انها ابنته (شمس) ويبدأ بحكى قصتها.
متأثرة بقصة شمس، تقرر مريم ان تؤدى لحن عراقي حزين فى المركز الثقافى الصغير الذى تعمل فيه ، اغنيتها تمس اعماق امرأة أخرى اسمها مريم تستمع اليها.
بتداعى الذكريات فى مخيلة مريم الاخيرة متذكرة تجربتها المروعة فى العمل كطبيبة فى العراق، فإن الرواى يخبرنا ان الطبيبة الشابة كانت تقوم ببحث فى العراق عام 2003 تحقق فيه فى العلاقة بين زيادة اشعة اليورانيوم والاصابة بالسرطان.
بعدها يعود البطوط الى القاهرة يبدأ فى تقديم شخصيات اللرئيسية.
- شمس البطلة غير الرسمية للفيسلم متعدد الشخصيات والمقيمة فى عين شمس فتاة فى الحادية عشر من عمرها ، رومانسية حالمة، امنيتها الوحيدة هى زيارة وسط البلد.
رؤيتها لقلب العاصمة لا تحمل اى تشابه مع الواقع ، فقد استلهمت رؤيتها بشكل اساسى من الشروحات الرائعة لكتاب الللغة الانجليزية.
- رمضان والد شمس هو السائق الخاص لرجل الاعمال سليم بيه هذا بجانب عمله كسائق تاكسى.
- سليم رجل اعمال فاحش الثراء يواجه الافلاس ، ابن اخيه هانى محاسبه الشخصى هو مرشح مجلس الشعب لمنطقة عين شمس.
- على الجانب الآخر نجد عمر ابن أخو رمضان شاب نصف عاطل يقوم بتوصيل وصلات دش غير شرعية فى منطقتة ويطمح للهجرة لإيطاليا.
- شخصية ثانوية اخرى فى الفيلم هى مدرسة شمس غير المتزوجة والتى تحاول ان تثنيها عن الالتصاق بأحلامها، وترفض الخيالية المفرطة التى تغمر كتاباتها.
يغزل البطوط خيوط مرخية بالتدريج ليحولها لنسيج مصرى معاصر ومتماسك عن الخسارة والفقر واليأس والامل.
لم ينجح فيلم منذ حقبة الثمانينيات- ذورة الواقعية فى السينما المصرية. فى تصوير الواقع البائس بلا رتوش بهذه الدرجة المرعبة من الاصالة.
كل موقع فى الفيلم يظهر كما فى الحقيقة تماماً، الازقة الضيقة، الشقق المغبرة ، والتواجد الهائل فى مساحة ضيقة من الفراغ، هذه هى مصر كما لم تصور من قبل (لجحيم معاصر بلا مخلص او منقذ).
تقريباً كل شخصيات فى الفيلم تبحث عن شيء ما يخلصها من البؤس المنغمسة فيه. أحلامهم بسيطة ومع ذلك صعبة المنال.
على عكس الحشد الحالى لما يسمى بأفلام الواقع مثل (حين ميسرة) (هى فوضه) فإن البطوط يقدم هذه الواقائع بهمسة وليس بصرخة انه يلمس أوتاراً متعددة منها فساد النخبة السياسية والطغيان الهائل للنظام السياسى والاجتماعى وقتل الابرياء، كل موضوع فى قصة البطوط تمت معالجته بطريقة دقيقة وناعمة ولكن قوية فى نفس الوقت، إن أياً من الميلودرامات المثيرة للمشاعر فى (هى فوضى) و(حين ميسرة)، غير موجودة فى (عين شمس) ولعل هذا هو السبب فى انه اكثر تأثيراً وتدميراً .
الفيلم مكون من طبقات مختلفة، تأخذ فيه كل فكرة وقتها حتى تتطور لتصل الى الاستنتاج النهائى المرير فالبطوط يأخذ مشاهديه الى مناطق غير مرئية عن طريق اتجاهات غير متوقعة.
إن بناء كل من (عين شمس) واتاكى، يشبه البناء القصصى غير المتصل ومتعدد الشخصيات للمخرج المكسيكى اليخاندرو جونز اليس (بابل ، اموريس بيروس) وهو التأثير الذى لا ينكره البطوط ومع هذ1ا فإن الطريقة التى يعالج البطوط بها قصته لا تفقد خصوصيتها.
اننى أؤمن ان الحياة هى سلسلة من القصص غير المنتهية، هكذا يعلق البطوط "ان حياتى ما هى الا قصة غير منتهية".
ان الانسانية والجراعات الصغيرة للبهجة غير المغشوشة التى يغذى بها فيلمه انما هى شاعرية، "لا شيء فى هذه الحياة يأتى منفصلاً ، اللذة تأتى مع الالم ، الالم يأتى مع اللذة ، هذه الدينامية تولد الشاعرية.
يضيف البطوط هناك جملة محددة خص بها البطوط أولئك الذين خاضوا تجارب صائمة قالها فى مقابلة مع جريدة الاهرام ويكلي ، هذه الجملة ترددت أصداؤها عميقاً فى ذاكرتى أثناء مشاهدة الفيلم.
"ان الناس الذين يخوضون تجارب ممثلة فإنهم بطريقة ما يتعرفون الى بعضهم عندما يتقابلون" ربما يكمن المغزى الضمنى لفيلم عين شمس بين هذه الكلمات.
كل الشخصيات الرئيسية فى الفيلم تحاول ان تتماشى مع حياتها المعدمة والبوهيمية. انهم يستمرون فى عيش مثل هذه الحياة فقط لانهم لا يملكون البديل. البطوط يقترح خيارين أمام أولئك الذين لا يرضون بهذه الحياة إما الاستسلام لدناءة النظام أو مغادرة البلاد.
العاصمة القاسية لا تقدم رحمة أو أمل ، القوة والغراء الوحيد الذى نجده للشخصيات تجده فى ذواتها أو ذوات أخرى قليلة. وسط المدينة رمز لفنتازيا خادعة تطمح اليها شمس ربما لأن الحلم هو الشيء الوحيد الذى فى امعانها. المصدر الوحيد للخلاص الذى لا تزال تؤمن به.
البطوط قال ان مشهداً صدمه عندما عاد من العراق عام 2003.
وانه مؤمن ان مصير بلاده ربما لا يكون بعيداً عن مصير العراق ، اختلاف وحيد يظل موجوداً هو ان كل الدمار والضرر تم ارتكابه على يد الحكومة ولا مبالاة شعبها المقموع.
ان الامل المحلو والمرير الموجود فى المشاهد الاخيرة التى تفطر القلوب هو أمل مثير للسخرية والراحة فى نفس الوقت، افلام مصرية قليلة استطاعت ان تنجح فى الجمع بين هذه الواقعية السحرية وهذه المشاعر المتضاربة وهذا النقد الخشن.
تظل السخرية الاعظم فى فيلم عين شمس ليست داخل الفيلم ولكن فى حقيقة ان البيروقراطية ذاتها التى ينقدها البطوط هى التى تعيق صدور فيلمه.
عاصفة من الجدل أحاطت بفيلم عين شمس منذ مهاجمة البطوط فى المؤتمر الصحفى لمهرجان القاهرة السينمائى فى نوفمبر الماضى، لسفره لاسرائيل لتصوير فيلم نادية كامل الجدير بالثناء "سلطة بلدى" بعض النقاد طالبوا باستبعاد الفيلم عين شمس من المهرجان والذى كان مقرر عرضه ضمن مسابقة افلام الديجيتال بعد ذلك بعدة اشهر شاهد الناقد سمير فريد الفيلم وقدمه الى صناع مغاربة.
اللذين اعجبوا كثيراً بلافيلم ، بعد ذلك نال البطوط منحه من المركز الثقافى المغربى تغطى 0.80 من تكاليف تحويل فيلمه من ديجيتال الى 35 مم يتم عرضه فى صالات السينما العادية فى كل انحاء العالم، فى النهاية لم يستطيع الفيلم اللحاق بالموعد المحدد لدخول مهرجان القاهرة السنيمائى ان عدم اللحاق بالمهرجان كان عثره خفيفة مقارنةً بما هو أتى.
أن عين شمس قد صور فى المساكن الشعبية لمنطقة عين شمس بميزانية ضئيلة وبدون ممثليين محترفين. كلاً من البطوط واعضاء الفيلم ليسوا مدرجين فى نقابة الممثليين، وبسبب طبيعة الفيلم المستقلة فإن سيناريو الفيلم لم يتم ارساله الى الرقابة المصرية.
يقول شريف منضور منتج الفيلم " لم يحصل اياً من الممثلين على نص كامل اثناء تصوير الفيلم واياً منهم لم يعرف كيف سينتهى الفيلم.
قال البطوط" ان هذا ليس بطريقة جديدة، فى الواقع فإن رواد الواقعية الجديدة الايطاليين وكذلك مخرجوا الموجه الجديدة الفرنسيين لم يعملوا بنص ثابت اثناء تصوير اعمالهم.
بما ان البطوط لم يستطع التوصل الى موافقة من الرقابة فإن نسخة الفيلم 35 مم لم يسمح لها بدخول البلاد وهى لا تزال فى الغرب. المخرج ذو الاربع واربعين عاماً ارسل بنسخة من النص لرئيس الرقابة على ابو شادى، العضو الحكومى لم يتوصل الى قرار بعد.
حتى اذا وافقت الرقابة على تمرير الفيلم فإن البطوط ومنضور لم يستطيعوا الحصول على موافقة نقابة الممثليين الا اذا استطاعوا دفع مبلغ 250 الف جنية لكسرهم قواعد العمل الخاص بالنقابة والتى تطبق لكل صناع الافلام الذين يعملون بدون رخصة.
يقول منضور انا نفسى عضو فى النقابة وانا افهم واحترم قواعدها، اذا لم يكن الحصول عل الرخصة لازماً لاصدار اى فيلم فى السوق فإن اى شخص لديه الامكانيات سوف يصنع فيلم مباشرةً مما سيؤدى الى تدهور مستوى الافلام، ولكن مع ذلك لابد من وجود استثناءات، انا حقاً لا استطيع دفع هذا المبلغ.
القواعد البائدة فى كلاً من الرقابة والنقابة جزء من النظام الذى يحرم الافلام المستقلة من الحصول على فرصة عرض مناسبة، يقول البطوط ان السينما فى مصر تتم بصورة معينة انهم حتى لا يتخيلون وجود طريقة أخرى لصناعة الافلام وهذا ما يجب تغيره.
ان السخرية الاعظم تكمن فى ان فيلم عين شمس تم اختياره فى للعرض فى مهرجان كان السينمائى فى مايو المقبل ، مما يعنى ان هناك امكانية كبيرة فى عرض الفيلم تجارياً فى اوروبا ومناطق اخرى ولكن ليس فى مصر.
ان فرص مشاهدتك للفيلم تكاد تكون معدومة ، الطريق الوحيد لوصول نسخحة الـ 35 مم للاسواق هى عن طريق الضغط العام .
ازعج كلاً من النقابة والرقابة بمكالماتك الهاتفية، اكتب عن الموضوع فى مدونتك الخاصة او فى النشرات المحلية ، ارسل خطابات وبريد اليكترونى الى وزارة الثقافة .
ان فيلم عين شمس هو بحق تحفة سينمائية من احد اعظم واكثر الموهوبيين من المخرجيين فى وقتنا الحالى .
ان المعركة لخروج فيلم عين شمس للنور قد بدأت للتو وهى بالتأكيد تستحق ان نخوض غمارها.
Review of Ein Shams by Mohammed Rouda
English translation coming soon! You can also access the review from the film critic's blogspot here.
عين شمس
إخراج: إبراهيم البطوط
مصر-2007
........................................................................
الفيلم المصري الذي يعرض على شاشات مهرجان مراكش السينمائي الدولي قريباً هو عن سيناريو لتامر السعيد والمخرج إبراهيم البطّوط سيفاجيء مشاهديه بجودته وببداية من أمهر البدايات التي عرفتها السينما المصرية الى اليوم. رمضان سائق تاكسي على سيارته في المشهد الأول. السيارة تجوب الشوارع بإنسياب في النهار ثم ندخل الليل معها. الكاميرا منصبّة من على فتحة في أعلى السيارة تلتهم الطرقات التي تبدو -في معظمها- خاوية. توقفه مريم وتركب السيارة. إنها مغنية. تنظر الى الصورة التي يعلّقها السائق أمامه لإبنته وتقول إنها جميلة. المغنية مريم تصل الى حيث تقيم حفلاً غنائياً فيما يبدو مركزاً ثقافياً. هناك تغنّي عن العراق. مريم أخرى، وهذه دكتورة، بين الجالسين تتأثر . من هنا ننتقل الى العراق حيث نرى د. مريم تجري تجارب وأبحاث حول علاقة إنتشار اليورانيوم بأمراض السرطان وذلك سنة 2003
يصاحب كل ذلك تعليق هاديء يخفي قدراً من السخرية وهو يقول حول تذرّعات غزو العراق من قبل الجيش الأميركي- على سبيل المثال: " لم يجد (الجيش الأميركي) أسلحة الدمار الشامل. كل ما لقوه هو اليورانيوم اللي كان الجيش الأميركي نفسه استخدمه (في الحرب الأولى). ويستمر التعليق حين تعود الكاميرا الى القاهرة لكنه ينهي تدخّلاته -بعد نحو سبع دقائق من العرض- بالقول: أنا مين؟ مش مهم خالص... أحياناً بتسمع أصوات ما تعرفش مصدرها
للأسف لا يستمر الفيلم على هذا المنوال المبدع بين النقلات التسجيلية والروائية ولا على ذات المستوى من الطرح السياسي. لكن ما يوفّره ، بعد ذلك ليس أقل شأناً مما سبق. بل يختلف عنه فقط. إنه يوفّر نظرة إنسانية عميقة لحياة سائق التاكسي المتزوّج ولديه إبنة جميلة (كما الصورة المعلّقة) ثم لرجل من رجال الأعمال الأثرياء الذي يطلبه لكي يسوقه الى مهامه ومكتبه. في المكتب نتعرّف على المحامي الكبيير الذي ، بالإستناد الى جشعه ورغباته في الوصول الى سدّة ما في التركيبة السياسية يرشّح نفسه لمجلس الشعب
في حفلة إعلان نفسه مرشّحاً نرى سائق التاكسي قد جلس في أحد الصفوف. هناك من يقدّم المرشّح بأفضل العبارات، وهناك كلمات المرشّح نفسه التي تزكّي صاحبها وتقدّمه كما لو كان خير مصر كلها سيكون من صنع يديه. لكن هم سائق التاكسي هو التالي: التلوّث البيئي الذي يجعل طعم الكمثري كالخيار -كما يقول مضيفاً أمثلة أخرى باتت سائدة في "القرية الكبيرة" التي نعيش فيها اليوم.
سبب إهتمام سائق التاكسي بمسألة لا يتطرّق إليها عادة أحد في الطروحات الإنتخابية يعود الى أن إبنته الجميلة تلك مصابة بالسرطان وستموت
لن أفسد مشاهدة الفيلم وأكمل بالتفاصيل، لكني أريد تسجيل أن موهبة البطّوط هي فعلاً مختلفة ومميّزة عن تلك التي رأيناها ليس بين صف المتسكّعين على أرصفة الأفلام التجارية فقط، بل حتى بين المخرجين الجادّين الموجودين في ساحة السينما المصرية اليوم
عين شمس
إخراج: إبراهيم البطوط
مصر-2007
........................................................................
الفيلم المصري الذي يعرض على شاشات مهرجان مراكش السينمائي الدولي قريباً هو عن سيناريو لتامر السعيد والمخرج إبراهيم البطّوط سيفاجيء مشاهديه بجودته وببداية من أمهر البدايات التي عرفتها السينما المصرية الى اليوم. رمضان سائق تاكسي على سيارته في المشهد الأول. السيارة تجوب الشوارع بإنسياب في النهار ثم ندخل الليل معها. الكاميرا منصبّة من على فتحة في أعلى السيارة تلتهم الطرقات التي تبدو -في معظمها- خاوية. توقفه مريم وتركب السيارة. إنها مغنية. تنظر الى الصورة التي يعلّقها السائق أمامه لإبنته وتقول إنها جميلة. المغنية مريم تصل الى حيث تقيم حفلاً غنائياً فيما يبدو مركزاً ثقافياً. هناك تغنّي عن العراق. مريم أخرى، وهذه دكتورة، بين الجالسين تتأثر . من هنا ننتقل الى العراق حيث نرى د. مريم تجري تجارب وأبحاث حول علاقة إنتشار اليورانيوم بأمراض السرطان وذلك سنة 2003
يصاحب كل ذلك تعليق هاديء يخفي قدراً من السخرية وهو يقول حول تذرّعات غزو العراق من قبل الجيش الأميركي- على سبيل المثال: " لم يجد (الجيش الأميركي) أسلحة الدمار الشامل. كل ما لقوه هو اليورانيوم اللي كان الجيش الأميركي نفسه استخدمه (في الحرب الأولى). ويستمر التعليق حين تعود الكاميرا الى القاهرة لكنه ينهي تدخّلاته -بعد نحو سبع دقائق من العرض- بالقول: أنا مين؟ مش مهم خالص... أحياناً بتسمع أصوات ما تعرفش مصدرها
للأسف لا يستمر الفيلم على هذا المنوال المبدع بين النقلات التسجيلية والروائية ولا على ذات المستوى من الطرح السياسي. لكن ما يوفّره ، بعد ذلك ليس أقل شأناً مما سبق. بل يختلف عنه فقط. إنه يوفّر نظرة إنسانية عميقة لحياة سائق التاكسي المتزوّج ولديه إبنة جميلة (كما الصورة المعلّقة) ثم لرجل من رجال الأعمال الأثرياء الذي يطلبه لكي يسوقه الى مهامه ومكتبه. في المكتب نتعرّف على المحامي الكبيير الذي ، بالإستناد الى جشعه ورغباته في الوصول الى سدّة ما في التركيبة السياسية يرشّح نفسه لمجلس الشعب
في حفلة إعلان نفسه مرشّحاً نرى سائق التاكسي قد جلس في أحد الصفوف. هناك من يقدّم المرشّح بأفضل العبارات، وهناك كلمات المرشّح نفسه التي تزكّي صاحبها وتقدّمه كما لو كان خير مصر كلها سيكون من صنع يديه. لكن هم سائق التاكسي هو التالي: التلوّث البيئي الذي يجعل طعم الكمثري كالخيار -كما يقول مضيفاً أمثلة أخرى باتت سائدة في "القرية الكبيرة" التي نعيش فيها اليوم.
سبب إهتمام سائق التاكسي بمسألة لا يتطرّق إليها عادة أحد في الطروحات الإنتخابية يعود الى أن إبنته الجميلة تلك مصابة بالسرطان وستموت
لن أفسد مشاهدة الفيلم وأكمل بالتفاصيل، لكني أريد تسجيل أن موهبة البطّوط هي فعلاً مختلفة ومميّزة عن تلك التي رأيناها ليس بين صف المتسكّعين على أرصفة الأفلام التجارية فقط، بل حتى بين المخرجين الجادّين الموجودين في ساحة السينما المصرية اليوم
Review of Ein Shams in Al Hayat!
Below is the article published in Al Hayat newspaper on August 17, 2007. You can also read the article on Al Hayat's website. English translation coming soon!
هيم البطوط يستمر في تجاربه المستقلة ... «عين شمس» وأهلها الطيبون بعد رحلة «ايثاكي» التي لا تنتهي
القاهرة – شيماء سليم الحياة - 17/08/07//
خلال تصوير «عين شمس»
وسط ركام «الانتفاضة السينمائية» التجارية التي تشهدها مصر بتحقيق ما لا يقل عن ثلاثين فيلماً سنوياً، تتقاذف علينا من كل ناحية، هناك أفلام لا يلهث صناعها وراء تحقيق ثروة أو حتى وراء دخل بسيط، يلهثون فقط وراء تحقيقها ويحاولون أن يخرجوها من عنق الزجاجة، من حجرات الأصدقاء الضيقة التي تعرض فيها الى دور العرض السينمائية الواسعة أو حتى الضيقة، الى الجمهور العريض...
ومن هذه الأسماء إبراهيم البطوط وهو منذ زمن شاهد عيان على الحروب والأزمات والأحداث الساخنة في العالم. البطوط الذي تعد عودته حياً من 12 حرباً معجزة في حد ذاتها، والمختلط بكل فئات البشر... يرفض الاستسلام لشروط الانتاج العقيمة، يتحدى السوق والمنتجين والموزعين والنجوم ويحقق أفلامه بأدوات بسيطة: عقله وذراعيه وروحه المرحة وحرفيته السينمائية.
سيارة تعبر جسراً، تتابعها الكاميرا من نقطة البداية حتى تنتهي من العبور، تراقبها الكاميرا الفضولية لتعرف ما إذا كانت تستطيع أن تنجز هذا العبور أم لا. أحياناً تتمكن السيارة وقائدها من تحقيق هذا العبور.
هكذا جاء المشهد الأول والأخير في «إيثاكي». ذات لحظة تتوقف السيارة بأمر الشرطة فتأخذ جانباً من الطريق وهي تواجه إنذار الإشارة الأصفر، وهكذا يأتي المشهد الأخير من «عين شمس». «إيثاكي» ومن بعده «عين شمس» فيلمان روائيان طويلان للمخرج إبراهيم البطوط، المتعمد تصوير أول وآخر مشهد في أفلامه على الجسر والسبب أن «(الجسر) هو مكان للعبور بين منطقتين. وهذا ما أتمناه أن يحدث: عبور من منطقة الى أخرى، أتمنى دائماً أن يحدث تحول حقيقي». يصعب الحديث أمام الجمهور العريض عن هذين الفيلمين. والسبب أنهما من الأفلام المستقلة، والمصورة بطريقة «الديجيتال»، أبطالهما ليسوا نجوماً. ومن هنا هما من جملة أفلام لم يتحقق لها فرصة العرض السينمائي إلا بعد أن يتم نقلها على شرائط سينمائية. مع هذا على رغم محدودية فرص عرض «إيثاكي»، فإن «عين شمس» يحمل بارقة أمل في أن ينال حقه من العرض العام. ولعل هذه هي مرحلة العبور في حياة إبراهيم البطوط السينمائية. فأفلامه تعبر الطريق من منطقة «الديجيتال» والعروض المحدودة الى منطقة السينما والعروض العامة. ولنعبر الجسر الآن وصولاً الى منطقة أكثر اتساعاً، لنذهب الى «عين شمس».
13 آب (أغسطس) 1988 كان المشهد الأول لإبراهيم البطوط في عين شمس، ذهب البطوط – الذي كان يعمل وقتها مصور تقارير إخبارية في إحدى المحطات التلفزيونية – ليصور تظاهرات وقعت في هذه المنطقة، المشهد وقع كالآتي: وقف إبراهيم لتصوير التظاهرات من شباك سقف سيارة، راح يلتقط حركة الجماهير المضطربة وجحافل قوات الأمن المركزي. ولأن اهتزازات محرك السيارة كانت تتسبب في اهتزاز الكاميرا أمر إبراهيم السائق أن يطفئ المحرك، ومع تفاقم الموقف وازدياد سخونة حركة المتظاهرين عاود إبراهيم الأمر الى السيارة بأن ينطلق ولكن المحرك يرفض أن يدور. يترك إبراهيم السيارة ويسير على قدميه مع مساعده، ووسط الاضطراب والصخب والحركة التي لا تتوقف من الجماهير والشرطة المصرية، يفاجأ بالمتظاهرين يهرعون من أحد الاتجاهات فيجري عكسهم حتى يعرف مما يهربون. يفاجأ مرة أخرى بضابط يقف فوق مدرعة ويصوب بندقيته تجاه المتظاهرين مطلقاً عليهم نيرانها. يتوقف إبراهيم لتصوير هذا الضابط، فيصوب الضابط بندقيته نحوه ويُطلق عليه النيران، يصاب في كتفه ويصاب مساعده في ظهره، يهربان من الطلقات النارية محاولين الاختباء في أي مكان الى أن تلتقطهما يد طيبة لرجل من أهالي عين شمس. يأخذهما الى شقته البسيطة ويحاول تهدئتهما ويطلب من زوجته أن تصنع لهما عصير ليمون. الزوجة تخبر زوجها أنه لا يوجد لديهم سكر لصناعة العصير فيطلب منها أن تسأل الجيران. وبالفعل تفعل ذلك ويخرج إبراهيم متأثراً من الموقف الشهم للرجل البسيط الذي ائتمنه إبراهيم على الاحتفاظ بمعدّات التصوير الخاصة به والتي تساوي ضعف ثمن العمارة التي يقطن فيها. في الشارع يخرج إبراهيم المجروح جسدياً، المنفعل نفسياً مما رآه عند أهالي عين شمس فيجد امرأة تناديه وتأخذه الى بيتها هي الأخرى كي تضمد جراحه. فهي ممرضة لم تستطع أن تتغافل عن رؤية دماء إبراهيم. يخرج إبراهيم من بيتها ويسير في حواري عين شمس حتى يصل الى الطريق العام. انتهى المشهد الأول.
1 أيار (مايو) 2006، تسعة عشر عاماً مضت على اللقاء الأول بين إبراهيم البطوط وعين شمس التي لم تخرج من عقله أو نفسه بل تسببت في تكوين مساره المهني منذ كان فيها في ذلك اليوم من عام 1988، إذ قرر أن يسافر لتغطية الحروب في العالم. يعود إبراهيم الآن الى عين شمس، مخرج أفلام روائية، يعود ليصور فيلمه «عين شمس» عن أسرة بسيطة تتعرض لأزمة صعبة. والأصعب أن هذه الأسرة لا تتحمل مثل هذا النوع من الأزمات. يحاول إبراهيم من خلال فيلمه أن ينقل روح عين شمس، وطبيعة أهلها الطيبين من دون محاولة التظاهر بتصوير الشوارع والحواري وصفائح القمامة. الناس هم الأولى بالظهور وهم الأولى بالاهتمام وهم الأولى بالتوعية. في «عين شمس» (الفيلم) تطالعنا شخصيات متعددة مختلفة الأشكال والطبائع والثقافات، تتوحد في خطوط واحدة نجدها واضحة مع نهاية الفيلم. هناك ألم ومرض يتسربان الى بلدنا الذي لا يختلف كثيراً عن العراق أكثر الدول جرحاً وألماً. فيلم إبراهيم البطوط لا يقارن بين البلدين بقدر ما يفرض عليه الأمر الواقع أن يجدهما في المأزق والظروف ذاتها. القوات الأميركية في العراق توازيها القوات الأمنية في مصر التي تحاول قمع التظاهرات. اليورانيوم الذي تسبب في انتشار السرطان في أجساد العراقيين توازيه المواد الكيماوية التي تستخدم لحقن المواد الغذائية في مصر والتي تتسبب أيضاً في انتشار السرطان في أجساد المصريين. والهجرة الى بلاد الشمال ربما تكون الأفضل، والسبب ليس «الجهل والقهر والفقر والتخلف ولكن لأن الجو – الطقس – هناك بارد والجو هنا حار»... والذين لم تتح لهم الفرصة للهجرة الى بلاد الشمال عليهم أن ينتبهوا الى إشارة الإنذار في آخر لقطة من فيلم «عين شمس». لنذهب الآن الى مكان أكثر اتساعاً من «عين شمس»، لنذهب الى العراق الذي له قصة أخرى عند البطوط.
اثنتا عشرة حرباً في ثمانية عشر عاماً، تقريباً. كل الحروب التي وقعت في هذه الفترة، ذهب إبراهيم البطوط لتصوير وقائعها. لكن بعد ثلاث حروب في العراق وحدها، قرر إبراهيم العودة والتوقف ووجد ضالته في تحقيق أفلام روائية بدلاً من الأفلام التسجيلية التي عكف على صناعتها طوال تلك الفترة. والسبب يؤكده إبراهيم قائلاً: «إن لغة الفيلم التسجيلي ليست هي الأنسب للوصول الى الجمهور العريض، فالناس «تعبت» و «ملت» ويشعرون بأن ما لديهم من مشاكل وأزمات، أهم مما يحدث في الخارج. لذا قررت أن أحقق أفلاماً روائية حتى تكون لدي حرية أن أضع فيها جزءاً من أفكاري، فلا تأتي موضوعاتي بما هو مفروض علي بل بما أريد تقديمه، والذي أصبح يتمثل في عدم عرض الحقيقة بهذه القتامة، بل اجعلها تحمل بارقة أمل تمنح المتفرج فرصة التفكير والقدرة على الاستمرار أو التغيير».
ولكن ليس هذا فقط ما دفع البطوط الى التوقف عن تصوير الحروب والرجوع الى بلده لتقديم أفلام روائية. القصة كانت بالتفصيل كما يرويها المخرج كالآتي: «الفترة التي قضيتها في تحقيق أفلام تسجيلية في مناطق الحروب تلك، جعلتني أعيش فترات طويلة في هذه المناطق، ما أحدث تأثيراً نفسياً في داخلي وصل الى ذروته في حرب العراق الأخيرة، لأنني وجدت أنني قمت بتغطية ثلاث حروب في العراق وحده. في البداية حققت فيلماً تسجيلياً عام 2003 عن المقابر الجماعية في العراق. والحكاية أن الجيش العراقي طلب من الجماهير القيام بتظاهرة لمساندة صدام حسين، ونقل المتظاهرون في سيارات كبيرة الى الصحراء. وفيما كانوا في طريقهم الى هناك وصل بلدوزر قام بحفر مقبرة واسعة في الصحراء ثم اختفى المتظاهرون. الفيلم كان يبحث عن هؤلاء الناس، الذين وجدوا بعد ذلك داخل المقبرة مدفونين واستُخرجت جثثهم بواسطة بلدوزر أيضاً، ثم محاولة التعرف عليهم وإعادتهم الى مدنهم في سيارات نقل مرة أخرى، وكان مشهد مسيرة الناس وراء هذه السيارات وهم في حال من الصراخ والنواح شيئاً يصعب وصفه أو التعبير عنه بكلمات».
هذا الفيلم تم ترشيحه لجائزة مهمة في لندن مخصصة لمصوري الحروب والأحداث الساخنة في العالم وتعرف باسم «روري بيت» على اسم المصور الإنكليزي الذي قتل أثناء قيامه بتصوير إحدى الحروب. ذهب إبراهيم الى لندن لاستلام الجائزة وهناك شاهد الأفلام التي تبارت معه فكانت لحظة التحول الحقيقية في مساره المهني، ويقول عنها: «وجدت أن الأفلام كلها حول مناطق ذهبت اليها من قبل: العراق – أفغانستان – أفريقيا – فلسطين والإهداء الذي عرض في النهاية لأسماء الذين قتلوا أثناء العمل على تصوير هذه الأفلام أو أفلام أخرى تكوّن من 150 اسماً، منهم خمسة كانوا أصدقائي – كنت أعلم بالطبع انهم قتلوا ولكنها كانت المرة الأولى التي أرى فيها أسماءهم بهذه الطريقة. قررت أن أتوقف وعلمت أن آلة الحرب الوحشية تملك من الشر ما يجعلها تستمر لقرون، وجدت أنها آلة لا تتأثر بأي شيء، في حين كنت أتصور انني وأمثالي من المصورين نخرج من منازلنا واحتمال عودتنا ضئيل جداً، تنهال علينا طلقات الرصاص ونهرب منها بأعجوبة. من أجل أن تساهم المواد التي نصورها في ردع هذه الآلة، عرفت أن أفكاري تلك كانت رومانسية وساذجة وأدركت انني كنت أجوب هذه الحروب لمقابلة أشكال مختلفة من البشر من الصعب العثور عليها إذا كنت عشت حياة عادية، فقررت ألا أذهب الى الحروب من جديد. انتهى العراق. وكانت بعده رحلة العودة ليس فقط الى مصر ولكن الى إيثاكي...».
هيم البطوط يستمر في تجاربه المستقلة ... «عين شمس» وأهلها الطيبون بعد رحلة «ايثاكي» التي لا تنتهي
القاهرة – شيماء سليم الحياة - 17/08/07//
خلال تصوير «عين شمس»
وسط ركام «الانتفاضة السينمائية» التجارية التي تشهدها مصر بتحقيق ما لا يقل عن ثلاثين فيلماً سنوياً، تتقاذف علينا من كل ناحية، هناك أفلام لا يلهث صناعها وراء تحقيق ثروة أو حتى وراء دخل بسيط، يلهثون فقط وراء تحقيقها ويحاولون أن يخرجوها من عنق الزجاجة، من حجرات الأصدقاء الضيقة التي تعرض فيها الى دور العرض السينمائية الواسعة أو حتى الضيقة، الى الجمهور العريض...
ومن هذه الأسماء إبراهيم البطوط وهو منذ زمن شاهد عيان على الحروب والأزمات والأحداث الساخنة في العالم. البطوط الذي تعد عودته حياً من 12 حرباً معجزة في حد ذاتها، والمختلط بكل فئات البشر... يرفض الاستسلام لشروط الانتاج العقيمة، يتحدى السوق والمنتجين والموزعين والنجوم ويحقق أفلامه بأدوات بسيطة: عقله وذراعيه وروحه المرحة وحرفيته السينمائية.
سيارة تعبر جسراً، تتابعها الكاميرا من نقطة البداية حتى تنتهي من العبور، تراقبها الكاميرا الفضولية لتعرف ما إذا كانت تستطيع أن تنجز هذا العبور أم لا. أحياناً تتمكن السيارة وقائدها من تحقيق هذا العبور.
هكذا جاء المشهد الأول والأخير في «إيثاكي». ذات لحظة تتوقف السيارة بأمر الشرطة فتأخذ جانباً من الطريق وهي تواجه إنذار الإشارة الأصفر، وهكذا يأتي المشهد الأخير من «عين شمس». «إيثاكي» ومن بعده «عين شمس» فيلمان روائيان طويلان للمخرج إبراهيم البطوط، المتعمد تصوير أول وآخر مشهد في أفلامه على الجسر والسبب أن «(الجسر) هو مكان للعبور بين منطقتين. وهذا ما أتمناه أن يحدث: عبور من منطقة الى أخرى، أتمنى دائماً أن يحدث تحول حقيقي». يصعب الحديث أمام الجمهور العريض عن هذين الفيلمين. والسبب أنهما من الأفلام المستقلة، والمصورة بطريقة «الديجيتال»، أبطالهما ليسوا نجوماً. ومن هنا هما من جملة أفلام لم يتحقق لها فرصة العرض السينمائي إلا بعد أن يتم نقلها على شرائط سينمائية. مع هذا على رغم محدودية فرص عرض «إيثاكي»، فإن «عين شمس» يحمل بارقة أمل في أن ينال حقه من العرض العام. ولعل هذه هي مرحلة العبور في حياة إبراهيم البطوط السينمائية. فأفلامه تعبر الطريق من منطقة «الديجيتال» والعروض المحدودة الى منطقة السينما والعروض العامة. ولنعبر الجسر الآن وصولاً الى منطقة أكثر اتساعاً، لنذهب الى «عين شمس».
13 آب (أغسطس) 1988 كان المشهد الأول لإبراهيم البطوط في عين شمس، ذهب البطوط – الذي كان يعمل وقتها مصور تقارير إخبارية في إحدى المحطات التلفزيونية – ليصور تظاهرات وقعت في هذه المنطقة، المشهد وقع كالآتي: وقف إبراهيم لتصوير التظاهرات من شباك سقف سيارة، راح يلتقط حركة الجماهير المضطربة وجحافل قوات الأمن المركزي. ولأن اهتزازات محرك السيارة كانت تتسبب في اهتزاز الكاميرا أمر إبراهيم السائق أن يطفئ المحرك، ومع تفاقم الموقف وازدياد سخونة حركة المتظاهرين عاود إبراهيم الأمر الى السيارة بأن ينطلق ولكن المحرك يرفض أن يدور. يترك إبراهيم السيارة ويسير على قدميه مع مساعده، ووسط الاضطراب والصخب والحركة التي لا تتوقف من الجماهير والشرطة المصرية، يفاجأ بالمتظاهرين يهرعون من أحد الاتجاهات فيجري عكسهم حتى يعرف مما يهربون. يفاجأ مرة أخرى بضابط يقف فوق مدرعة ويصوب بندقيته تجاه المتظاهرين مطلقاً عليهم نيرانها. يتوقف إبراهيم لتصوير هذا الضابط، فيصوب الضابط بندقيته نحوه ويُطلق عليه النيران، يصاب في كتفه ويصاب مساعده في ظهره، يهربان من الطلقات النارية محاولين الاختباء في أي مكان الى أن تلتقطهما يد طيبة لرجل من أهالي عين شمس. يأخذهما الى شقته البسيطة ويحاول تهدئتهما ويطلب من زوجته أن تصنع لهما عصير ليمون. الزوجة تخبر زوجها أنه لا يوجد لديهم سكر لصناعة العصير فيطلب منها أن تسأل الجيران. وبالفعل تفعل ذلك ويخرج إبراهيم متأثراً من الموقف الشهم للرجل البسيط الذي ائتمنه إبراهيم على الاحتفاظ بمعدّات التصوير الخاصة به والتي تساوي ضعف ثمن العمارة التي يقطن فيها. في الشارع يخرج إبراهيم المجروح جسدياً، المنفعل نفسياً مما رآه عند أهالي عين شمس فيجد امرأة تناديه وتأخذه الى بيتها هي الأخرى كي تضمد جراحه. فهي ممرضة لم تستطع أن تتغافل عن رؤية دماء إبراهيم. يخرج إبراهيم من بيتها ويسير في حواري عين شمس حتى يصل الى الطريق العام. انتهى المشهد الأول.
1 أيار (مايو) 2006، تسعة عشر عاماً مضت على اللقاء الأول بين إبراهيم البطوط وعين شمس التي لم تخرج من عقله أو نفسه بل تسببت في تكوين مساره المهني منذ كان فيها في ذلك اليوم من عام 1988، إذ قرر أن يسافر لتغطية الحروب في العالم. يعود إبراهيم الآن الى عين شمس، مخرج أفلام روائية، يعود ليصور فيلمه «عين شمس» عن أسرة بسيطة تتعرض لأزمة صعبة. والأصعب أن هذه الأسرة لا تتحمل مثل هذا النوع من الأزمات. يحاول إبراهيم من خلال فيلمه أن ينقل روح عين شمس، وطبيعة أهلها الطيبين من دون محاولة التظاهر بتصوير الشوارع والحواري وصفائح القمامة. الناس هم الأولى بالظهور وهم الأولى بالاهتمام وهم الأولى بالتوعية. في «عين شمس» (الفيلم) تطالعنا شخصيات متعددة مختلفة الأشكال والطبائع والثقافات، تتوحد في خطوط واحدة نجدها واضحة مع نهاية الفيلم. هناك ألم ومرض يتسربان الى بلدنا الذي لا يختلف كثيراً عن العراق أكثر الدول جرحاً وألماً. فيلم إبراهيم البطوط لا يقارن بين البلدين بقدر ما يفرض عليه الأمر الواقع أن يجدهما في المأزق والظروف ذاتها. القوات الأميركية في العراق توازيها القوات الأمنية في مصر التي تحاول قمع التظاهرات. اليورانيوم الذي تسبب في انتشار السرطان في أجساد العراقيين توازيه المواد الكيماوية التي تستخدم لحقن المواد الغذائية في مصر والتي تتسبب أيضاً في انتشار السرطان في أجساد المصريين. والهجرة الى بلاد الشمال ربما تكون الأفضل، والسبب ليس «الجهل والقهر والفقر والتخلف ولكن لأن الجو – الطقس – هناك بارد والجو هنا حار»... والذين لم تتح لهم الفرصة للهجرة الى بلاد الشمال عليهم أن ينتبهوا الى إشارة الإنذار في آخر لقطة من فيلم «عين شمس». لنذهب الآن الى مكان أكثر اتساعاً من «عين شمس»، لنذهب الى العراق الذي له قصة أخرى عند البطوط.
اثنتا عشرة حرباً في ثمانية عشر عاماً، تقريباً. كل الحروب التي وقعت في هذه الفترة، ذهب إبراهيم البطوط لتصوير وقائعها. لكن بعد ثلاث حروب في العراق وحدها، قرر إبراهيم العودة والتوقف ووجد ضالته في تحقيق أفلام روائية بدلاً من الأفلام التسجيلية التي عكف على صناعتها طوال تلك الفترة. والسبب يؤكده إبراهيم قائلاً: «إن لغة الفيلم التسجيلي ليست هي الأنسب للوصول الى الجمهور العريض، فالناس «تعبت» و «ملت» ويشعرون بأن ما لديهم من مشاكل وأزمات، أهم مما يحدث في الخارج. لذا قررت أن أحقق أفلاماً روائية حتى تكون لدي حرية أن أضع فيها جزءاً من أفكاري، فلا تأتي موضوعاتي بما هو مفروض علي بل بما أريد تقديمه، والذي أصبح يتمثل في عدم عرض الحقيقة بهذه القتامة، بل اجعلها تحمل بارقة أمل تمنح المتفرج فرصة التفكير والقدرة على الاستمرار أو التغيير».
ولكن ليس هذا فقط ما دفع البطوط الى التوقف عن تصوير الحروب والرجوع الى بلده لتقديم أفلام روائية. القصة كانت بالتفصيل كما يرويها المخرج كالآتي: «الفترة التي قضيتها في تحقيق أفلام تسجيلية في مناطق الحروب تلك، جعلتني أعيش فترات طويلة في هذه المناطق، ما أحدث تأثيراً نفسياً في داخلي وصل الى ذروته في حرب العراق الأخيرة، لأنني وجدت أنني قمت بتغطية ثلاث حروب في العراق وحده. في البداية حققت فيلماً تسجيلياً عام 2003 عن المقابر الجماعية في العراق. والحكاية أن الجيش العراقي طلب من الجماهير القيام بتظاهرة لمساندة صدام حسين، ونقل المتظاهرون في سيارات كبيرة الى الصحراء. وفيما كانوا في طريقهم الى هناك وصل بلدوزر قام بحفر مقبرة واسعة في الصحراء ثم اختفى المتظاهرون. الفيلم كان يبحث عن هؤلاء الناس، الذين وجدوا بعد ذلك داخل المقبرة مدفونين واستُخرجت جثثهم بواسطة بلدوزر أيضاً، ثم محاولة التعرف عليهم وإعادتهم الى مدنهم في سيارات نقل مرة أخرى، وكان مشهد مسيرة الناس وراء هذه السيارات وهم في حال من الصراخ والنواح شيئاً يصعب وصفه أو التعبير عنه بكلمات».
هذا الفيلم تم ترشيحه لجائزة مهمة في لندن مخصصة لمصوري الحروب والأحداث الساخنة في العالم وتعرف باسم «روري بيت» على اسم المصور الإنكليزي الذي قتل أثناء قيامه بتصوير إحدى الحروب. ذهب إبراهيم الى لندن لاستلام الجائزة وهناك شاهد الأفلام التي تبارت معه فكانت لحظة التحول الحقيقية في مساره المهني، ويقول عنها: «وجدت أن الأفلام كلها حول مناطق ذهبت اليها من قبل: العراق – أفغانستان – أفريقيا – فلسطين والإهداء الذي عرض في النهاية لأسماء الذين قتلوا أثناء العمل على تصوير هذه الأفلام أو أفلام أخرى تكوّن من 150 اسماً، منهم خمسة كانوا أصدقائي – كنت أعلم بالطبع انهم قتلوا ولكنها كانت المرة الأولى التي أرى فيها أسماءهم بهذه الطريقة. قررت أن أتوقف وعلمت أن آلة الحرب الوحشية تملك من الشر ما يجعلها تستمر لقرون، وجدت أنها آلة لا تتأثر بأي شيء، في حين كنت أتصور انني وأمثالي من المصورين نخرج من منازلنا واحتمال عودتنا ضئيل جداً، تنهال علينا طلقات الرصاص ونهرب منها بأعجوبة. من أجل أن تساهم المواد التي نصورها في ردع هذه الآلة، عرفت أن أفكاري تلك كانت رومانسية وساذجة وأدركت انني كنت أجوب هذه الحروب لمقابلة أشكال مختلفة من البشر من الصعب العثور عليها إذا كنت عشت حياة عادية، فقررت ألا أذهب الى الحروب من جديد. انتهى العراق. وكانت بعده رحلة العودة ليس فقط الى مصر ولكن الى إيثاكي...».
Synopsis
From once being the capital of Egypt during the Pharaonic era and a sacred location marked by the visit of Jesus and the Virgin Mary, Ein Shams has become one of Cairo’s poorest and most neglected neighbourhoods. Through the eyes of Shams, an eleven year old girl inhabitant of this neighbourhood, the film captures the sadness and magic that envelops everyday life in Egypt. In a series of heart-rending events, the diverse characters of the film showcase the intricacies of Egypt’s political system and social structure, and give a glimpse into the grievances of the Middle East region and the complex relationships of its nations.
Director's Note
In August 1988, I went to Ein Shams with my camera to document the riots against the police. In a confrontation with a policeman, I was shot on my right arm. This incident became the first of a series of distressing and violent events I observed and captured as a war documentary maker. In the 18 years that followed, I filmed 12 wars in over 30 countries. I was shot again when in June 1993 in Bosnia, yet I continued my work believing that pictures portraying the horrors of wars would make a difference. In the beginning of 2004, after completing a documentary on mass graves in Iraq, I returned in Cairo feeling disenchanted by the world and my work. The world of fiction films reinstated my love for the camera and became a venue through which I could explore the realistic style and serious subject matter characteristic of documentary making with the magic and playfulness of fictional storytelling. In 2005 I completed my first featured film Ithaki. Shot digitally and with no budget, this film received a warm welcome by audiences and rendered palpable the burgeoning market for films that are independent, experimental and bold. With Ein Shams I hope to take my fiction work a step further by making it available to wider audiences in Egypt and abroad.
Ein Shams was inspired by an encounter in September 2005. At the time I had just finished my first fiction film Ithaki and was involved in a project teaching children living in Upper Egypt how to use the art of theatre and filmmaking. Mohammed Adel Fatah, a teacher and a director who was also participating in the project, put forward the idea of positioning my next film in his neighbourhood, Ein Shams. Mohammed also offered to assist me with access to people and locations. Being a place that has long haunted and fascinated me, I took up his evocation and I wrote a story that was appropriate for Ein Shams. In this film I use footage from my last visit in Iraq, thus bringing to full circle my documentary work that was marked by my first project in the Ein Shams neighbourhood almost 20 years ago.
Ein Shams was inspired by an encounter in September 2005. At the time I had just finished my first fiction film Ithaki and was involved in a project teaching children living in Upper Egypt how to use the art of theatre and filmmaking. Mohammed Adel Fatah, a teacher and a director who was also participating in the project, put forward the idea of positioning my next film in his neighbourhood, Ein Shams. Mohammed also offered to assist me with access to people and locations. Being a place that has long haunted and fascinated me, I took up his evocation and I wrote a story that was appropriate for Ein Shams. In this film I use footage from my last visit in Iraq, thus bringing to full circle my documentary work that was marked by my first project in the Ein Shams neighbourhood almost 20 years ago.
Director's Visual Concept
I work with a form that blends documentary and fiction genres to accentuate the uncomfortable yet enchanting reality of everyday life. The film embraces the natural warm colours of Cairo to convey to the audience the mood of the city that is mirrored in the film. Ein Shams captures my commitment to exploring alternative styles of cinematic expression made possible by digital media. In the absence of big budgets and technical equipment, I employ the resources made available to me. The film combines natural settings and events with staged performances and employs both trained and non-professional actors and technical crew.
Subscribe to:
Posts (Atom)